أول مرة سمعت اسم «سُولت ليك سيتي» (مدينة البحيرة المالحة) كانت في عشاء مع غسان تويني وزوجته الشاعرة ناديا. قالت ناديا إن الاسم الشاعري يشبه أسماء القصائد الكبرى في الآداب، مثل «الأرض اليباب»، (تي إس إليوت)، وإن الاسم يرن في نفسها شاعرياً وأليفاً مع أنها لم تذهب يوماً إلى المدينة، ولا حتى إلى ولاية يوتاه برمّتها.
ثم تراءى لي أن الروائي عبد الرحمن منيف تأثر على الأرجح بالاسم عندما اختار «مدن الملح» عنواناً لمجموعته الشهيرة. وفجأة خرجت بحيرة الملح من الرومانسية والشاعريات ودخلت عالم المال، عندما تحدثت صحف العالم عن أن رجل الأعمال السعودي عدنان الخاشقجي اشترى أعلى برج سكني في «سولت ليك سيتي». كان الخاشقجي يومها في عز شهرته وذروة صورته، كمغامر وساحر وحامل مصباح علاء الدين. ويومها عرفت معنى الفارق بين الاسم كعنوان لقصيدة وبينه كرقم لصفقة.
عاد الاسم والبحيرة إليَّ وأنا أقرأ الآن أن بحيرة الملح مهدَّدة بالزوال، حقيقةً وشعراً. إنها يد الإنسان تعبث في انتظام الطبيعة وعبقريتها. وقد أدى ارتفاع عدد السكان وزيادة المشاريع الزراعية إلى جفاف وهبوط في مستوى البحيرة هو الأدنى في التاريخ.
فقدت البحيرة (الثامنة في العالم) 73 في المائة من مياهها بسبب المشاريع الضخمة والجفاف الذي يضرب غرب الولايات المتحدة منذ عقدين. وسُجل أخيراً انخفاض هائل في مستوى سطح البحيرة. وزال الكثير من منظر البحيرة الجميل، وحل محله مشهد الرمال اللامتناهية والطيور الميتة. أما «المارينا» التي كانت تزدحم بالمراكب والسياح، فقاحلة اليوم، والمراكب مهجورة.
وسرعة الانهيار في تزايُد. والنشاط الصناعي والتجاري ينقص. وأدى جفاف البحيرة إلى ارتفاع مستوى البحار: تتبخر مياه البحيرات وتتساقط أمطاراً في المحيط.
لاحظْ جنابك كم تغيّرت حياة البشر. كان الإنسان كائناً مفتوناً بالشعر، فأصبح مأخوذاً بالبيئة. وكنا نعتقد أن التغير المناخي ترفٌ طلع به المتفذلكون، فإذا به يؤثر في الحياة اليومية لكل واحد منا. وأصبح الاختلال في دورة الطبيعة يحمل الأضرار والأذى للجميع. تعاني تركيا وسوريا والعراق من آثار الجفاف، بينما تتساقط الثلوج في السعودية وبعض المناطق الصحراوية.
لم يكن يخطر لي يوماً أن أقرأ، فكيف أن أكتب في أمور البيئة! لا علاقة للإنسان العادي بهذه الأشياء، والفصول تتولى إدارة نفسها على ما يرام، كما فعلت من آلاف السنين. لكن تبين أن كل شيء تغير على نحو مخيف فوق الكوكب الصغير.
عندما أصدر الزميل نجيب صعب قبل ثلث قرن مجلة «البيئة» خُيّل إليّ أنه سوف يعثر على قرائه على سطح القمر. لكن مع الأيام اكتشفنا أنه أنشأ مشروعاً مستقبلياً بعيد النظر. ثم أصبح مقاله هنا، في مصاف المقالات السياسية من حيث المتابعة. بل حتى في دولة إهمالية مثل لبنان، أصبحت للبيئة وزارة، ولو أنها لم تكن أحياناً تُعطى لصاحب اختصاص، بل لرجل يضحك البلاطة.
هدى الحسيني:عودة سوريا إلى العرب تنقذها من عزلتها!
في حين قام وزير الخارجية السوري فيصل المقداد بجولة إلى الجزائر وتونس، كجزء من الجهود المبذولة لإحياء العلاقات الدبلوماسية في العالم العربي، بعد أكثر من عقد على عزل سوريا عالمياً، حيث قال لقناة «الجزائر الدولية»، إنَّ «عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية شِبه مستحيلة قبل تصحيح العلاقات الثنائية»، تقول مصادر استخباراتية أوروبية، إن أحد هواجس الرئيس بشار الأسد هو قرار مجلس الأمن رقم 2245 الصادر في نهاية العام 2015، وقد ازدادت حدة هذا الهاجس بعد العزلة الدولية لروسيا التي أصبحت غير مؤثرة للذود عن النظام السوري في المحافل الدولية. وتقول المصادر نفسها، إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وجّه دعوة إلى الأسد لزيارة موسكو في 15 مارس (آذار) الماضي، وخلال اجتماعهما قال بوتين للأسد بصريح العبارة، إن هناك حرباً عالمية تشن على بلاده، وإنَّ على الأسد أن يتصرف بما تمليه مصالح بلاده. من جهة أخرى، يعلم الأسد أن حلفاءه الإيرانيين في عزلة دولية أيضاً، وبالتالي لا يمكن أن يشكلوا درعاً واقياً لنظامه، بل العكس؛ إذ أصبح الأسد مدركاً أن الوجود الكثيف للحرس الثوري على الأراضي السورية ومن ضمنه ذراعه «حزب الله»، أصبح بحد ذاته مصدراً للخطر.
إنما الأخطر من ذلك على سوريا، هي العلاقة بين الحكومة الإيرانية والحرس الثوري. يتمتع الحرس بتأثير قوي على الجماعات المسلحة في المنطقة، بما في ذلك تلك الموجودة في لبنان وسوريا والعراق واليمن – والتي تم تصنيف العديد منها كمنظمات إرهابية من قِبل المجتمع الدولي.
وكان قد تسرب أن الأسد تواصل مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بطريق غير مباشرة، إلا أن الفرنسيين رأوا ضرورة التقيد بالقرارات الدولية، مع المطالبة بالتعاون الكامل لإعادة النازحين السوريين الذين يركبون البحر للوصول إلى شواطئ أوروبا بحثاً عن مكان أمن وفرص عمل؛ مما يشكل عبئاً مالياً واجتماعياً كبيراً على أوروبا. كما بات واضحاً للأسد أن الصين تتجنب أو بالأحرى لا يهمها حماية الأنظمة، باستثناء تلك التي تشكل مفصلاً أساسياً في حماية المصالح الصينية مما لا ينطبق على نظام بشار الأسد، وجُل ما يمكن انتظاره من العملاق الآسيوي هو النأي بالنفس عن المشاكل.
هناك هواجس أخرى كثيرة تجول في رأس الأسد، من بينها نفوذ «حزب الله» الذي يوجد بسلاحه وعتاده على أجزاء من سوريا، وهو بلا شك يساهم بإضعاف الدولة المركزية التي لا يمكن أن تقوم في أي بلد في العالم إذا لم يكن لديها حصرياً حمل السلاح وحماية الحدود. ويقول مصدر دبلوماسي عربي، إنه عندما زار الأسد دولة الإمارات العربية المتحدة وخلال العشاء الرسمي الذي أقيم على شرفه في 19 من الشهر الماضي، سُمع أحد كبار المسؤولين الإماراتيين يخاطب الأسد مادحاً ذكاء والده حافظ الأسد وبُعد نظره، وذكّره كيف أنه اشترط في أحد الأيام لاستقبال وفد رسمي إيراني في سوريا أن يكون دخول الوفد من مطار دمشق وليس عبر مطار بيروت، وفي ذلك إشارة واضحة إلى بشار عن الخطوط الحمراء التي كان يرسمها حافظ الأسد أمام الدول بما فيها إيران وأذرعها المنتشرة، لتأكيد مناعة سوريا وكبريائها.
من جهة أخرى، المعروف أنه لم يحدث أن استقبل حافظ الأسد يوماً حسن نصر الله أمين عام «حزب الله»، وبالتالي لم يدخل نصر الله «قصر المهاجرين»، لكن بعد وفاته تغيرت أمور كثيرة وتدمرت سوريا ورفعت إيران و«حزب الله» أعلامهما فيها.
لذا؛ فإن الأسد لم يعد لديه سوى العودة إلى الصف العربي الذي أبقى الباب مفتوحاً لعودته. وقد سرّع الاتفاق السعودي – الإيراني في حصول التقارب مع السعودية الذي تمثل في زيارة وزير الخارجية السوري فيصل المقداد إلى الرياض واجتماعه مع وزير خارجية المملكة الأمير فيصل بن فرحان، الذي زار بدوره دمشق يوم الثلاثاء، حيث استقبله الرئيس السوري، وناقش الاثنان الجهود الرامية إلى إيجاد «حل سياسي» للنزاع السوري من شأنه أن «يحافظ على وحدة سوريا وأمنها واستقرارها وهويتها العربية وسلامتها الإقليمية». كما تحدثا عن «عودة سوريا إلى الحظيرة العربية واستئناف دورها الطبيعي في العالم العربي»، وفقاً لبيان صادر عن وزارة الخارجية السعودية، وكان تم الإعلان عن فتح السفارات خلال أسابيع أثناء وجود المقداد في المملكة. وقد تبع زيارة المقداد اجتماع وزراء الخارجية العرب في جدة يوم الجمعة الماضي، الذي أعلن عند انتهائه عن الترحيب بعودة سوريا إلى الحضن العربي وحل الأزمة السورية سياسياً.
مما لا ريب فيه، أن لدى بعض العرب قلقاً وعدم ثقة وسيكون الدور الأساسي في عملية إعادة الثقة بيد الأسد نفسه الذي لديه الفرصة للعودة العربية، فما وافق عليه الوزير فيصل المقداد في الرياض أمور لا يحتاج تنفيذها إلى وقت أو دراسة، مثل وقف تهريب المخدرات الذي يفرض ضبط الحدود بما فيها حدود لبنان حيث يقوم «حزب الله» بتصنيع الكبتاغون مستفيداً من تجارة تمول نسبة كبيرة من عملياته ومصاريفه.
كما تمت الموافقة على وقف العمليات الإرهابية وتسهيل عودة النازحين والقيام بحل الأزمة السورية بعملية إصلاحية سلمية.
وكما يقال، إن غداً لناظره قريب.