من غير المستبعد عن هذا الرجل، أن تكون خطته قتل كل فلسطيني يستعصي على التهجير، و”تسطيح غزة” معادلة باشرها نتانياهو، وما تعليق عضوية إلياهو في الحكومة سوى عقاب طفيف على كشفه الخطة.
لعل تصريح وزير التراث في حكومة الائتلاف اليميني الإسرائيلي، عميحاي إلياهو، عن أن “استهداف غزة بقنبلة نووية أمر غير مستبعد”، هو الحدث النووي الأبرز منذ إلقاء الولايات المتحدة الأميركية قنبلتين على مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين في العام 1945، فنحن أمام دولة نووية يعلن وزير نافذ في حكومتها أن استعمال دولته السلاح النووي غير مستبعد!. صحيح أن التصريح مؤشر إلى فقدان التوازن، إلا أنه مؤشر أيضاً إلى أن في إسرائيل سلطة لا يقف عنفها عند حدود العشرة آلاف ضحية الذين قتلتهم حتى الآن!.
قبل نحو سنة من الآن، أصيب العالم عموماً وأوروبا خصوصاً، بذعر جراء توقعات باحتمال استعمال فلاديمير بوتين سلاحاً نووياً في أوكرانيا. بوتين لم يصرح بذلك، والعالم الذي راح يُقلب الاحتمالات، وعاد واستمدّ طمأنينته من حقيقة أنه لم يصدر عن القيادة الروسية ما يشي بهذا الاحتمال.
اليوم، نحن حيال قرينة دامغة تتمثل في أن دولة نووية تقودها حكومة لوّح وزير نافذ فيها بهذا الاحتمال، لم يذهل العالم من هذه الواقعة، وباستثناء استنكارات عابرة، لم يُتخذ أي أجراء بحق الحكومة، في وقت يعرف الجميع أن الإجراء الذي اتخذه نتانياهو والمتمثل بتعليق عضوية وزير التراث بالحكومة، هو إجراء مراوغ لا يرقى إلى مستوى حتى الإقالة، وإلياهو ما زال يمارس عمله.
الأمر فعلاً على درجة من الخطورة تفوق التصريحات المستنكرة. إنه حدث نووي صريح وواضح. خطوة صغيرة ويصل إلياهو، أو معلمه إيتمار بن غفير إلى الزر النووي في إسرائيل، وهؤلاء من الحمق بحيث لا يتورّعون عن الضغط عليه.
والغريب، أن العالم يقف صامتاً أمام هذه الحقيقة. العالم القلق من احتمال القنبلة النووية الإيرانية التي سيكون التحكم فيها بيد نظام أوتوقراطي، لن يتورع عن استعمالها في حروبه الدينية، هو اليوم أمام حقيقة أوضح. بلد نووي ووزراء وصفتهم الصحافة الإسرائيلية نفسها بأنهم من اليمين الفاشي، يخرج من بينهم، ليس من يدعو إلى استعمال القنبلة النووية، إنما من يلوّح باستعمالها، فهو بيده الأمر. الخطر هنا يفوق بأشواط ما تمثله القنبلة الإيرانية المحتملة، والتمييز في المخاوف يبلغ ذروته.
لكن حكومة اليمين الإسرائيلي لم تقف، وتحت مرأى العالم، عند حدود السلاح النووي، فهي استنفدت أسلحة موازية لطالما كانت من الترسانة النظرية لدولة إسرائيل في علاقتها مع العالم. فعلى مدى أكثر من سبعة عقود، بذل مفكرون ومؤرخون ومثقفون يهود جهوداً كبيرة لتثبيت مصطلح “فرادة الهولوكوست”، وفي تحويله من مصطلح عاطفي إلى مصطلح معرفي، ذاك أن الفرادة مردها إلى أنه أولاً إبادة صادرة عن بنى ثقافية واجتماعية أوروبية، وثانياً إلى أن عدد ضحاياه لم يسبق أن سجلته أي إبادة سبقته! إلى أن جاء بنيامين نتانياهو وبدد جهد المفكرين والمؤرخين، وشرع بابتذال مأساة بحجم الهولوكوست، ليس فقط عبر تشبيه 7 تشرين الأول/ أكتوبر به، إنما أيضاً عبر الضغط على الغرب، المسؤول عن تلك الإبادة، بأن ما تشهده إسرائيل اليوم هو امتداد لما أصاب اليهود في الحرب العالمية الثانية. والغرب لم تستوقفه هذه المعادلة الغريبة العجيبة، وما تشكله من إهانة ليس فقط للضحايا، إنما أيضاً للجهد المعرفي الذي رافقها.
إقرأوا أيضاً:
أصوات قليلة صدرت مذهولة من هذه الشعبوية الرخيصة، غالبيتها من أبناء ناجين من الهولوكوست من أمثال عميرة هاس، لكن المتن الثقافي الغربي المتشكل في أعقاب الهولوكوست، لم تثر به أعمال نتانياهو حساسية تدفعه إلى الخوف على الرواية وعلى الضمير الجماعي الذي نجح الغرب، وبجهد يهودي استثنائي، في زرعه في وعي أجيال من الأوروبيين. لا بل راح نتانياهو ومنذ ما قبل 7 تشرين الأول 2023 يتلاعب بالأسس المعرفية والتاريخية للإبادة، عبر شحنها بخرافات ركيكة زج بها العرب والمسلمين في المأساة اليهودية، على نحو مضحك.
فبحسبه، أن أدولف هتلر عندما باشرها كان استمع الى نصيحة من الحاج أمين الحسيني، حثّه فيها على قتل اليهود!، فالأخير أقنع الفوهرر بقتل اليهود منعاً لقدومهم إلى فلسطين، وهذا زعم لا يرقى طبعاً إلى مستوى الحاجة إلى دحضه، إنما أيضاً ينفي ما ترتب على اعتراف أوروبا بفعلتها من مراجعات، ومنها طبعاً نشوء دولة إسرائيل.
نتانياهو هو فعلاً آفة تتعدى أخطارها الفلسطينيين لتصل إلى عمق الرواية اليهودية. فقابليته، هو والتحالف اليميني الذي يرأسه، لتوظيف أي شيء في سياق طموحه الشخصي، تشكل خطراً على إسرائيل نفسها. هل استمعتم إلى وزير الأمن في حكومته إيتمار بن غفير يدعو المواطنين الإسرائيليين إلى التسلح، وفي مشهد مصور كان يوزع عليهم السلاح؟! هل سبق أن شهد العالم وزيراً للأمن في بلد ما يسلّح مواطنيه؟ إنه ظلّ نتانياهو والظهير الأيمن لحكومته. وهنا تحضر واقعة شهدتها إسرائيل في بداية “تأسيس الدولة”، عندما أمر بن غوريون بقصف باخرة على متنها مناحين بيغن، كانت تنقل أسلحة لمنظمة شتيرن الصهيونية، التي كانت لا تزال ترفض الاندماج بالجيش الإسرائيلي. ويشكل الفارق بين منع التسلح من خارج الدولة، ودعوة الإسرائيليين إلى التسلح، الوجهة الراهنة للتجربة الإسرائيلية.
من غير المستبعد عن هذا الرجل، أن تكون خطته قتل كل فلسطيني يستعصي على التهجير، و”تسطيح غزة” معادلة باشرها نتانياهو، وما تعليق عضوية إلياهو في الحكومة سوى عقاب طفيف على كشفه الخطة.