تشهد العاصمة الهندية دلهي في الأيام الأخيرة أسوأ موجة عنف لها منذ عقود، سقط ضحيتها 34 قتيلا على الأقل حتى الآن.
واشتعلت شرارة المصادمات يوم الأحد بين متظاهرين مؤيدين وآخرين معارضين لقانون جديد مثير للجدل حول الجنسية.
ويسمح قانون تعديل المواطَنة بتجنيس غير المسلمين من بنغلاديش، وباكستان وأفغانستان الذين دخلوا الهند بشكل غير قانوني.
وتقول الحكومة، بقيادة الحزب القومي الهندوسي بهاراتيا جاناتا، إن هذا القانون سيوفر ملاذا للفارّين من اضطهاد ديني.
ويقول منتقدون إن القانون جزء من أجندة الحزب الحاكم لتهميش المسلمين. وقد خرجت منذ تمريره العام الماضي مظاهرات حاشدة بعضها شهد أعمال عنف.
لكن المظاهرات في دلهي ظلت محتفظة بسلميتها – حتى اندلاع الأحداث الأخيرة.
متى اشتعل العنف؟
اندلع العنف في ثلاث مناطق ذات أغلبية مسلمة في شمال شرقي دلهي يوم الأحد، على مسافة 18 كيلو مترا من قلب العاصمة.
وكانت هناك مجموعة داعمة للقانون تتظاهر على مسافة كيلو متر من تظاهرة ينظمها معارضون للقانون، وبدأ التراشق بالحجارة بين الفئتين.
ويُنسب الأمر لقياديّ في حزب بهاراتيا جاناتا، يدعى قابيل ميشرا، والذي كان قد هدّد مجموعة من المتظاهرين والمعتصمين احتجاجا على القانون، مخبرًا إياهم بأنّ اعتصامهم سيُفضّ بالقوة فور مغادرة دونالد ترامب للهند.
وقام الرئيس الأمريكي بأولى زياراته الرسمية للهند في الفترة من 24 وحتى 26 فبراير/شباط الجاري.
ماذا يجري الآن؟
بينما لم ترِد أخبار عن تجدد المصادمات أمس الأربعاء، لا تزال العاصمة دلهي على صفيح ساخن بعد ثلاثة أيام متتالية من الشغب.
ولم تعد أسباب العنف قاصرة على قانون المواطَنة الجديد فحسب. بل بدأت الأمور تنحو منحىً طائفيا وتمدّد العنف إلى مناطق محيطة، في ظل تقارير عن أشخاص يتعرضون لهجوم بسبب ديانتهم.
ورصدت تقارير حرائق، ومجموعات من الرجال يمسكون هرّاوات وقضبانا حديدية، وحجارة بينما يجوبون شوارع المدينة، وثمة مواجهات بين هندوس ومسلمين.
ويقول مراسلو بي بي سي في الهند إن شوارع رئيسية في ضواحي العاصمة باتت تعجّ بالفوضى، حيث الحجارة وشظايا الزجاج والسيارات المحطّمة في كل مكان، فضلا عن أعمدة من الدخان تتصاعد من البنايات المحترقة.
“مصاحف ممزقة”
ثمة تقارير عن استهداف لمنازل ومحالّ تابعة لمسلمين. ويقول مراسل بي بي سي، فيصل محمد، إنه شاهد مسجدا تعرّض للإحراق بشكل جزئي، وصفحات من القرآن منثورة على الأرض.
وتعرّض مسجد آخر للتخريب بعد ظُهر يوم الثلاثاء. وانتشر على نطاق واسع مقطع فيديو يصوّر رجالا يحاولون نزع الهلال من قمة مئذنة.
وأصيب نحو مئتي شخص، من المسلمين والهندوس، وفقا لأسماء الضحايا المعلنة حتى الآن.
ويقول مراسلو بي بي سي إنهم شاهدوا في المستشفى إصابات من كافة الدرجات، بينها جروح ناتجة عن استخدام الرصاص، كما شهدوا جموعا غفيرة تهرول إلى المستشفى لتلقي العلاج.
وقال شهود عيان إنهم رأوا كثيرين من المتظاهرين يحملون أسلحة، ورصدت تقارير إطلاق نار من فوق أسطح البنايات، وأكد مسؤولون في المستشفيات وقوع العديد من الإصابات جرّاء طلقات نارية.
ماذا تفعل السلطات؟
صرح المتحدث باسم شرطة دلهي، موهندر سنغ راندهاوا، الثلاثاء، أن الوضع تحت السيطرة، وأن “عددا كافيا من عناصر الشرطة” تمّ نشره، فضلا عن نشر قوات شبه عسكرية.
لكن الشرطة تواجه اتهاما بعدم الجاهزية وقلة العدد. وتعرض أكثر من 50 شرطيا لإصابات، ولقي واحد على الأقل مصرعه.
وتتواصل شرطة العاصمة بشكل مباشر مع حكومة الحزب الحاكم بقيادة مودي ناريندرا.
ومن المقرر أن ينعقد اليوم مجلس وزراء الاتحاد الهندي لمناقشة العنف الذي تشهده العاصمة.
وتقع هذه المناطق على مقربة من حدود ولاية أُتّر برديش المتاخمة للعاصمة دلهي – وقد أُغلقت الآن، وأُغلقت مدارسها، وباتت التجمعات محظورة في العديد من تلك المناطق.
وحثت السلطات الناس على الحفاظ على حالة السِلم.
وبعد ثلاثة أيام من العنف، غرّد ناريندرا مودي على تويتر أمس الأربعاء قائلا: “من المهم أن يعود الهدوء وتعود الحياة إلى طبيعتها في أقرب وقت”.
ومنذ وصول مودي إلى السلطة عام 2014، تشهد الهند مدًا يمينيًا متمثلا في القومية الهندوسية، التي اعتمد عليها مودي في حملة إعادة انتخابه العام الماضي.
وتسببت أعمال العنف الأخيرة في إحراج مودي، لا سيما وأنها تزامنت مع زيارة ترامب الأولى للهند كرئيس دولة.
وقد تصاعدت أعمال العنف حتى غطت على زيارة ترامب، فاحتلت بذلك عناوين الصحف المحلية والعالمية.